[] ماهية الإلتزام:
هو مشاركة الشاعر أو الأديب الناس همومهم الإجتماعيّة، والسياسيّة، ومواقفهم الوطنيّة، والوقوف بحزم لمواجهة ما يتطلّبه ذلك، إلى حدّ إنكار الذات في سبيل ما التزم به الشاعر أو الأديب: ويقوم الالتزام في الدرجة الأولى على الموقف الذي يتّخذه المفكّر أو الأديب أو الفنّان فيها، وهذا الموقف يقتضي صراحة، ووضوحاً، وإخلاصاً، وصدقاً، وإستعداداً من المفكّر لأن يحافظ على التزامه دائماً، ويتحمّل كامل التبعة التي يترتّب على هذا الالتزام.
* وفي تعريفنا اللغويّ لكلمة الالتزام نجد:
لزم الشيء يلزمه لزماً ولزوماً، ولازمه ملازمة ولزاماً، والتزامه، وألزمه إيّاه فالتزمه، ورجل لًُزمة يلزم الشيء فلا يفارقه، واللّزام: الملازمة للشيء والدوام عليه، والالتزام الإعتناق.
ولزم الشيء: ثبت ودام، لزم بيته: لم يفارقه، لزم بالشيء: تعلّق به ولم يفارقه، التزمه: إعتنقه، التزم الشيء: لزمه من غير أن يفارقه، التزم العمل والمال: أوجبه على نفسه.
والالتزام كما ورد في معجم مصطلحات الأدب: هو إعتبار الكاتب فنّه وسيلة لخدمة فكرة معيّنة عن الإنسان، لا لمجرّد تسلية غرضها الوحيد المتعة والجمال.
وقد جاء في الآية الكريمة: {وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها} [الفتح:26]
أمّا سارتر فقد عرّف الأدب الملتزم فقال: مما لاريب فيه أنّ الأثر المكتوب واقعة إجتماعيّة، ولا بدّ أن يكون الكاتب مقتنعاً به عميق إقتناع، حتّى قبل أن يتناول القلم، إنّ عليه بالفعل، أن يشعر بمدى مسؤوليّته، وهو مسؤول عن كلّ شيء، عن الحروب الخاسرة أو الرابحة، عن التمرّد والقمع، إنّه متواطئ مع المضطهدين إذا لم يكن الحليف الطبيعي للمضطّهدين.
ويشير سارتر إلى الدّور الكبير الذي يلعبه الأدب في مصير المجتمعات، فالأدب مسؤول عن الحريّة، وعن الاستعمار، وعن التطوّر، وكذلك عن التخلّف.
فالأديب ابن بيئته، والناطق بإسمها، وكلمته سلاحه، فعليه تحديد الهدف جيّداً، وتصويبها عليه بدقّة، فـ الكاتب بماهيّته وسيط والتزامه هو التوسّط.
وهنا يبرز هدف الإلتزام في جدّة الكشف عن الواقع، ومحاولة تغييره، بما يتطابق مع الخير والحقّ والعدل عن طريق الكلمة التي تسري بين الناس فتفعل فيهم على نحو ما تفعل الخميرة في العجين، على ألا يقف الإلتزام عند القول والتنظير، فالفكر الملتزم في أساس حركة العالم الذي يدور حوله على قاعدة المشاركة العمليّة لا النظريّة إذ: ليس الإلتزام مجرّد تأييد نظريّ للفكرة، وإنّما هو سعي لتحقيقها، فليست الغاية أن نطلق الكلمات بغاية إطلاقها.
ويرى رئيف خوري أنّ الكاتب مطالب بمسؤوليّة مجرّد أن يكتب وينشر لمجتمعه، فهو يجب أن يعبّر عن آلامها وآمالها ونضالها.
ليس كفعل القلم إجتماعيّ وتاريخيّ بكلّ ما تنطوي عليه كلمة إجتماعيّ من شؤون الأمّة، والشعب، والقوم، والوطن، والإنسانيّة...وعلى القلم المسؤول أن ينفي عنه أوّل شيء إعتبار عامل الكسب.
فذلك هو الشرط المبدئيّ لصحّة الرأي ونزاهته، وظروفنا الإجتماعيّة الحاليّة، الحافلة بالقلق، والمليئة بالمشكلات، تدعو وبشدّة إلى الأدب الملتزم.
ووضع بلادنا العربيّة وما آلت إليه من تشرذم ومن تآمر الأعداء وتكالبهم عليها، تدعو الكلّ إلى تجنيد الجهود للعمل على تحرير البلاد ورفع مستواها السياسيّ والإجتماعيّ والفكريّ.
وحتى يكون الأدب صادقاً، لابد وأن يتكلّم عن الواقع الذي يعيشه الأديب، والظروف التي تحيط به، وتؤثّر على نفسيّته وعلى يراعه، فتخرج حينئذ الكلمات نابضة بالصدق، وتأخذ طريقها مباشرة إلى فكر القارئ ووجدانه.
أمّا معنى الإلتزام فعريق في الأدب، قديم مثل كلّ أدب أصيل، وكلّ تفكير صميم، ذلك أنّ الإلتزام في الأدب لا يعدو في معناه الصحيح أن يكون الأدب ملتزماً الجوهريّ من الشؤون، منصرفاً عن الزخرف اللفظيّ وعن الزينة الصوريّة التي هي لغو ووهم وخداع، والإلتزام هو أن يكون الأدب مرآة جماع قصّة الإنسان وخلاصة مغامراته وتجربته للكيان، وزبدة ما يستنبطه من عمق أعماقه وألطف أحشائه من أجوبة عن حيرته وتساؤلاته، وهو أن يكون الأدب رسالة يستوحيها من الجانب الإلهي من فكره وروحه، ومن هذا الوجدان أو الحدس الإلهي، الذي هو الفكر وما فوق الفكر، والعقل وما فوق العقل، والخيال مع العلم والمعرفة، مع الإنطلاق مجرباً في كليّته وشموليّته.
فالأدب الملتزم هو سابق على محاولات المحدثين، وقد وجدنا قديماً الأدب يتجسّد في مشاركة الأديب الناس، همومهم الإجتماعيّة والسياسيّة، ومواقفهم الوطنيّة، والوقوف بحزم، لمواجهة ما يتطلّبه ذلك، إلى حدّ إنكار النّفس في سبيل ما يلتزم به الأديب شاعراً أم ناثراً، وإطلاعنا على أدبنا القديم وشعرائه، يعرّفنا أنهم كانوا في العهود والأعصر العربية، في الجاهلية والإسلام كافّة، كانوا أصوات جماعاتهم، كذلك قبل كلّ واحد منهم أن يعاني من أجل جماعته التي ينطق بإسمها، إلى حدّ أنّك إذا سمعت صوت أحدهم وهو يرتفع بإسم جماعته أو قومه، لا يمكنك إلا أن تحسّ هذا الإلتزام ينساب عبر الكلمات، يصوّر هذا الإيمان وتلك العقيدة دون أن يساوره أدنى شكّ أو حيرة أو تردّد في تحديده للمشكلات التي يواجهه، والتي تتعلّق بمصيره ومصير سواه من أبناء قومه في القبيلة أو الحزب أو الدين، يدفعه إيمان راسخ بضرورة حلّ إشكاليّة القضايا التي كان يواجهها في حينه.
الكاتب: أ. سحر عبد القادر اللبان.
المصدر: موقع رسالة المرأة.